مقالات

أنطون تشيخوف: ليس على الفن أن يحل المشكلات!

2 مايو 2025
في كتاب «كيف تكتب على طريقة تشيخوف!» نقرأ شذرات من أقوال عبقري القصة الروسية، الدقيق كالساعاتي، الرقيق، والكريم، والذي ي...

في كتاب «كيف تكتب على طريقة تشيخوف!» نقرأ شذرات من أقوال عبقري القصة الروسية، الدقيق كالساعاتي، الرقيق، والكريم، والذي يحترم قرَّاءه بطرق لا يمكن للروسيين الآخرين، الذين قد يتمتعون بعلاقات عامة أفضل، حتى أن يتصوروها. تشيخوف الذي نشر ما يزيد عن خمسمئة قصة خلال حياته وتبادل الرسائل مع جميع الكتَّاب والنقاد والفنانين كبارًا وصغارًا في عصره، وأرشد عشرات المؤلفين الطموحين، ترك لنا إرثًا من النصائح الوفيرة عن فن الكتابة –والمعيشة– الجيدة إلى جانب كمٍّ من الرؤى المتبصرة التي يجد فيها الكتّاب، إلى يومنا هذا، مرجعيّةً وإلهامًا.

تكشف شذراته عن فهمٍ عميقٍ لدورِ الفنِّ ومهمته في المجتمع. ففي رسالته إلى أليكسي سوفورين، سومي، بتاريخ 30 أيار 1888، نقرأ:

في رأيي، ليست مهمة الكاتب أن يحل مشكلات كوجود الإله، أو التشاؤم، إلخ. تنحصر مهمة الفنان في أن يسجل من قال أو فكر عن الله أو عن التشاؤم وتحت أي ظروف فعل ذلك. وعليه ألا يصدر الأحكام على شخصياته ولا كلماتهم، بل أن يكون شاهدًا محايدًا وحسب. يتناهى إلى مسمعي روسيان يتبادلان نقاشًا مشوشًا وغير حاسم عن التشاؤم، فأكون ملزمًا بالواجب بأن أنقل هذه المحادثة بالضبط كما سمعتها. أما تقييمها فهو وظيفة هيئة القضاء، أي القارئ. يشترط عليَّ عملي شيئًا واحدًا فقط: أن أكون موهوبًا، أي أن أميز بين الأدلة ذات الصلة، وغير ذات الصلة؛ أن أضيء الشخصيات، وأن أتحدث بلغتهم. ينتقدني شخيغلوف-ليونتييف لإنهاء إحدى قصصي بجملة: «لا يمكنك حقًّا تفسير سبب حدوث الأشياء في هذا العالم». في رأيه، يجب على الكاتب، الذي هو عالم نفسٍ، أن يشرح، وإلا فلا يحق له أن يسمي نفسه عالم نفس. وأنا أختلف. لقد حان الوقت للكتَّاب –وخاصة للفنانين الحقيقيين منهم– أن يعترفوا أنه من المستحيل شرح أي شيء. لقد أقر سقراط بذلك منذ زمن بعيد، كما فعل فولتير. وحده الجمهور يعتقد أنه يعرف ويفهم كل ما يجب معرفته وفهمه. وكلما ازداد غباؤه، ظن أنه أكثر انفتاحًا. ولكن إذا اعترف فنان يثق به الجمهور أنه لا يفهم أي شيء مما يرى، فإن محض هذه الحقيقة ستسهم إسهامًا عظيمًا في مجال الفكر، وستشكل خطوة عظيمة إلى الأمام.


وفي رسالةٍ أخرى، بتاريخ 27 تشرين الأول 1888، يؤكّد أن الفن مرآةٌ تُجسّد الأسئلة، وقوّته تكمن في قدرته على صياغة التناقضات الإنسانية بصدق، لا في حَلِّها بادّعاء:

لا تخلو عظاتي من الهرطقات، ولكنني لم أتمادَ أبدًا، ولا مرة واحدة، إلى حد إنكار أن الأسئلة الصعبة ليس لها مكان في الفن؛ ففي محادثاتي مع زملائي الكتَّاب، أصر دائمًا أنه ليس من مهمة الفنان حل الأسئلة المتخصصة الدقيقة. من السيئ للفنان أن يعالج ما لا يفهمه. لدينا أخصائيون للتعامل مع الأسئلة الاختصاصية، واتخاذ القرارات بشأن كوميونات الفلاحين، ومصير الرأسمالية، وشرور إدمان الكحول، والجِزَم، وشكاوى النساء هي وظيفتهم هم. على الفنان ألا يصدر أحكامه إلا على ما يفهمه؛ إن مجال خبرته محدود مثل أي مختص آخر، وهذا ما أكرره وأؤيده باستمرار. أي شخص يقول إن مجال الفنان لا يترك مجالًا للأسئلة، بل يتعامل حصرًا مع الإجابات، لم يقم قط بأي كتابة ولم يفعل أي شيء متعلق بالتصوير. الفنان يراقب ويختار ويخمن ويرتب، وكل واحدة من هذه العمليات يسبقها فرض سؤال كنقطة انطلاق لها. إذا لم يطرح على نفسه سؤالًا في البداية، فليس لديه ما يخمنه ولا ما يختاره.

أنت محق في مطالبتك بأن يكون المؤلف مدركًا لما يفعله، ولكنك تخلط بين مفهومين: حل المشكلة من جهة، وصياغة المشكلة صياغة صحيحة من جهة أخرى. والأخير فقط هو المطلوب من الفنان. لم تُحَل ولا مشكلة واحدة في «آنا كارنينا» ولا «يفغيني أونيغين»، ومع ذلك فإن الروايتين لا تزالان ترضيانك بالكامل لأن كل المشكلات التي تطرحانها مصاغة صياغة صحيحة. من واجب المحاكم أن تصوغ المشكلات صياغة صحيحة، ولكن الأمر متروك لأعضاء هيئة المحلفين لحلها، كلًّا حسب ذوقه الخاص.

بهذا المنطق التشيخوفيّ الصارم، يتحوّل الفنّ من وعظٍ مباشر إلى فضاءٍ حيويّ للتساؤل والدهشة. لا يقدّم تشيخوف إجابات جاهزة، بل يمنحنا أدوات الرؤية؛ مرآةً تعكس تناقضاتنا دون تزييف. وفي عصرنا اليوم، حيث تُختَزَلُ الآراء إلى شعاراتٍ وجزميات، تبدو وصية تشيخوف — بضوررة أن يبقى الفنّ سؤالًا مفتوحًا — أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.


لطلب كتاب: كيف تكتب على طريقة تشيخوف، من هنا