مقالات

السحلية التي تأكل نساءها؛ حكاية من «نساء» إدواردو غاليانو

7 مايو 2025
على ضفة النهر، وراء العشب، امرأة تقرأ. كان يا ما كان، كما يقول الكتاب، كان ثمة سيد يتمتع بسلطة واسعة. كل شيء ملك له: قر...


على ضفة النهر، وراء العشب، امرأة تقرأ.

كان يا ما كان، كما يقول الكتاب، كان ثمة سيد يتمتع بسلطة واسعة. كل شيء ملك له: قرية لوكاناماركا وما يحيط بها من قريب أو بعيد، حيوانات فريدة وبريَّة، ناس وُدعاء ومتكبرون، كل شيء: الغلة والقش، الأخضر واليابس، ما يتذكره وما يقع منه في طي النسيان.

غير أن مالك كل شيء لم يكن له وريث. وكانت زوجته تصلي كل يوم آلاف الصلوات، متضرعة نعمة الابن، وفي كل ليلة، كانت تشعل شموعها، وكان الرب ضجرًا من رجاءات تلك المرأة الثقيلة؛ إذ كانت تطلب ما لا يرغب أن يعطيه. وفي النهاية، حتى لا يسمعها مرة أخرى، أو بنوع من الرحمة الإلهية، حقق المعجزة. وأخيرًا، زارت السعادة البيت.

جاء الطفل بوجه إنسان وبجسد سلحفاة.

ومع الوقت، بدأ الطفل يتكلم، لكنه كان يسير زاحفًا على بطنه.

لقد علَّمه القراءة أفضل معلمو أياكوتشو، لكن حوافره لم تستطع الكتابة.

في الثامنة عشرة، طلب امرأة.

وحصل له أبوه النافذ على امرأة، وبأُبَّهة كبيرة، احتفل بالزفاف في بيت الكاهن.

في الليلة الأولى، انقض السلحفاة على زوجته، والتهمها.

وحين طلعت الشمس، لم يكن على سرير الزوجية إلا أرمل نائم محاط بعظام.

ثم طلب السلحفاة امرأة أخرى. وأقاموا زفافًا آخر، وحدث التهام آخر. والشره احتاج إلى امرأة ثالثة، وهكذا.

كانت الخطيبات متاحات. في بيوت الفقراء، عادة ما نجد ابنة زائدة.

نائمًا على ظهره ومياه النهر تداعب بطنه، ينام دولثيديو القيلولة.

وحين يفتح عينًا، يراها. جالسة تقرأ. لم يكن قد رأى في حياته امرأة تضع نظارة.

يقترب دولثيديو بأنفه:

- ماذا تقرئين؟

تقول وهي تُبعِد الكتاب وتنظر إليه، دون أي دهشة:

- أساطير.

- أساطير؟

- أصوات قديمة.

- وما فائدتها؟

تضم الفتاة كتفيها:

- ونس.

هذه المرأة لا تبدو من الجبل ولا الغابة ولا الشاطئ.

- أنا أيضًا أجيد القراءة.

يقول دولثيديو.

تغلق الكتاب وتدير وجهها.

حين يسألها دولثيديو من هي ومن أين، تتبخر المرأة.

وفي يوم الأحد التالي، حين يستيقظ دولثيديو من قيلولته، تكون هناك، دون الكتاب، لكن بالنظارة.

جالسة على الرمال، بقدمين مختبئتين تحت تنانير كثيرة ملونة، كانت موجودة، منذ الأبد كانت موجودة، وهكذا تنظر إلى الدخيل هذا الذي يتمدد تحت الشمس.

يضع دولثيديو الأشياء في مكانها. يرفع رجلًا بمخالب ويمررها على أفق جبال زرقاء:

- إلى حيث تصل العيون، إلى حيث تصل الأقدام. إلى كل شيء. أنا مالكه.

وهي لا تلقي نظرة على المملكة المتسعة، وتصمت صمتًا عميقًا.

يلح الوريث. النعاج والهنود تحت أمره. إنه رب كل فراسخ الأرض والماء والهواء، بل وحتى رب حبات الرمال التي تجلس عليها:

- أسمح لك.

وهي تُرقِّص ضفيرتها السوداء، مثل من يسمع المطر، يشرح الزاحف أنه ثري جدًّا لكنه متواضع ومحب للعلم ومجتهد في العمل، وقبل كل شيء، هو رجل يسعى إلى تكوين بيت، لكن القدر قاسٍ ويريد له الترمُّل.

تميل برأسها، وتتأمل هذا اللغز.

يهمهم دولثيديو، ويهمس:

- هل أطلب منك معروفًا؟

ويقترب منها بجنبه، ويستعرض لها ظهره ويتوسل:

- ادعكي لي ظهري؛ يدي لا تصل إليه.

وهي تمد يدها، وتتحسس درعه الحديدية، وتمدح:

- إنه حرير.

يرتجف دولثيديو ويغمض عينيه ويفتح فمه ويرفع ذيله ويشعر بما لم يشعر به من قبل.

لكن حين يلتفت إليها، تكون قد تبخرت. يزحف بأقصى سرعة عبر الأرض العشبية، ويبحث عنها يمينًا ويسارًا وفي الاتجاهات الأربعة. ما من أثر لها.

والأحد التالي، لا تأتي على ضفة النهر، ولا الأحد الذي يليه، ولا الذي يليه.

منذ رآها، يراها. لا يرى شيئًا سواها.

مدمن النوم لم يعد ينام، الشره لم يعد يأكل. وغرفة دولثيديو لم تعد المذبح السعيد حيث يرتاح في رفقة زوجات ميتات. لا تزال صورهن هناك، تكسو الجدران من أعلى إلى أسفل، بإطارات على شكل قلوب وأكاليل من الزهور، لكن دولثيديو، المحكوم عليه بالوحدة، يرقد غارقًا تحت الغطاء وفي حزنه. جاء أطباء ومعالجون من بعيد، لا أحد منهم استطاع أمام ارتفاع الحُمَّى وانهيار كل شيء.

يفتح دولثيديو راديو يعمل بالبطارية، اشتراه من عربي عابر، ويتجرع معه آلامه بالليل والنهار، فيما يتنهد ويستمع لموسيقى من زمن فائت. والأبوان اليائسان يريانه يذبل أمامهما. لم يعد يطلب امرأة كما كان.

- أنا جائع.

والآن يتضرع:

- أنا متسول للحب.

وبصوت متهدج، يميل إلى الشِّعر، يمتدح السيدة التي سرقت سكينته وروحه.

وينطلق الخدم بحثًا عنها. يقلب المطاردون السماء والأرض، لكن لا أحد يعرف اسم المرأة المتبخرة ولا أحد رأى قط أي امرأة تضع نظارة في هذه القرى، ولا أبعد منها.

وفي مساء يوم أحد، يهاجم دولثيديو حدس. ينهض ويزحف بكل جهد وقوة حتى ضفة النهر.

وهناك يجدها.

غارقًا في دموعه، يعلن دولثيديو حبه للفتاة المراوغة والمُحتقِرة، ويعترف: "أهلك عطشًا لعسل فمك"، ويكشف لها: "أنا لا أستحق حتى نسيانك، أيتها الحمامة الصغيرة التي تصيبني بالجنون"، ويغمرها بالغزل والأحضان.

ويأتي الزفاف. والناس أجمعون ممتنون؛ لأن الشعب منذ زمن طويل لم يحتفل، والوحيد الذي تزوج هناك هو دولثيديو. والقس يطلب مبلغًا، مستغلًّا أنه عميل خاص.

تدور آلة التشارانجو حول العروسين، وتصدح القيثارة وآلات الكمان بعزف إلهي، ويشربون نخب الحب الأبدي للعروسين السعيدين، وتتدفق أنهار من الحلوى تحت أغصان الزهور.

يظهر على دولثيديو جلد جديد، أحمر في الظهر وأزرق مخضر على الذيل العجيب.

وحين ينفرد العروسان بنفسيهما، وتأتي ساعة الحقيقة، يعرض عليها:

- أمنحكِ قلبي. دوسي عليه بلا رحمة.

وهي تطفئ الشمعة بنفخة واحدة، وتُسقِط عنها فستان الزفاف المترع بالدانتيل الرقيق، وتخلع نظارتها ببطء وتقول له:

- لا تكن سخيفًا. توقف عن هذه السخافات.

وبسحبة واحدة تشده، وتطرح جلده على الأرض، وتعانق جسده العاري، وتُلهِبه.

ثم ينام دولثيديو بعمق، ملتفًّا على هذه المرأة، ويحلم لأول مرة في حياته.

وهي تأكله في أثناء النوم. تبتلعه شيئًا فشيئًا، من الذيل إلى الرأس، دون أن تصدر صوتًا ولا تمضغ بقوة، حريصة على ألا توقظه، حتى لا تترك فيه انطباعًا قبيحًا.


اقرأ مزيدًا من حكايا النساء، بترجمة أحمد عبداللطيف، من هنا.