مقالات

«الهُراء... من إرادة القوة إلى الرغبة في الحالة الطبيعية» مقتطف من كتاب «تاريخ عالمي للهُراء».

19 سبتمبر 2025
الهُراء... من إرادة القوة إلى الرغبة في الحالة الطبيعيةلقاء مع بول فينأستاذ فخري في كوليج دو فرانس ومتخصص في العصور الرو...

الهُراء... من إرادة القوة إلى الرغبة في الحالة الطبيعية

لقاء مع بول فين

أستاذ فخري في كوليج دو فرانس ومتخصص في العصور الرومانية القديمة







● سواء كان الهُراء فرديًّا بين عظماء هذا العالم، أو جماعيًّا أحيانًا، فهل يبدو لك الهُراء في حد ذاته قوة دافعة للتاريخ؟

نعم، ولكن من الواضح! في نظري، ما نسميه «هُراء» اليوم هو ما أطلقنا عليه «غباء» في القرنين السابع عشر والثامن عشر؛ لكن الغباء يشير إلى قدر أقل من الجهل أو الافتقار إلى الذكاء مقارنة بالادِّعاء. من يدلي بالهُراء مدَّعٍ، فعندما كنت صغيرًا، قال كثير من الناس، في مواجهة الفن التجريدي على سبيل المثال: «أنا لا أفهم»، لقد اعترفوا بجهلهم، ولكنهم لم يصرِّحوا بأن ما بقي غير مفهوم بالنسبة إليهم كان باطلًا أو سيئًا أو فاسدًا. أرى اليوم كثيرًا من الأشخاص الذين لا يعرفون شيئًا إطلاقًا عن الرسم (وهو ما لا أدَّعي أنني أفهمه كثيرًا)، ساخطون عليه، أو أنهم يعارضون الشعر المستغلق الذي ساد منذ «مالارميه»؛ لذلك فهم يعتقدون أننا يجب أن نكتب قصائد مفهومة بالنسبة إليهم، وأن اللوحة يجب أن تمثِّل شيئًا مثل الصورة الفوتوغرافية أو الصورة الشخصية، فالاعتراف بعدم الفهم أو الجهل ليس علامة على الهُراء: من ناحية أخرى، هو ليس ادِّعاء بأنه يمكن للمرء رؤية الأمر مجرد لا شيء، أو حتى إنه «لا ينبغي للفنان أن يسمح لنفسه باقتراح الألغاز».


● لا يستثني الهُراء القادة من دون شك؟

في التاريخ العالمي، تبدو لي حقيقة أن رئيس الدولة مُدَّعٍ أمرًا مبتذلًا! في العصور القديمة جدًّا، عَدَّ كلٌّ منهم نفسه متفوقًا بطبيعته، ويجب أن تكون هذه هي الحال مع الإسكندر الأكبر، كان نيرون يتصرَّف كفنان عبقري. ومع ذلك، حسب الرومان أنه من الحماقة اعتقاد المرء أن القدر مسخَّر له، أو الآلهة، لتحقيق ما هو استثنائي، في حين أن رئيس الدولة المدَّعي في عصرنا لا يعتقد أنه عبقري من أول وهلة: فهو يعد نفسه ذكيًّا، ويدافع بعنادٍ عن أفكاره الجيدة أو السيئة، ويعتقد أنه يؤدي عملًا جيدًا، لكنه لا يعد نفسه شخصًا ذا جوهر متفوق أو فوق بشري، أو إلهي.

كان نابليون -وهو من المدرسة العسكرية- يشعر بأنه إستراتيجي عبقري، ولم يكن مخطئًا؛ لكنه لم يعتقد أن له جوهرًا إلهيًّا؛ تعرفون كلماته:


«ماذا سيقول الناس عني عندما أموت؟»، صاح مستشاروه: «أوه، سيكون الجميع في حالة من اليأس، وسيقولون: يا له من رجل عظيم!»، فردَّ عليهم نابليون: «لا، سوف يعبِّرون عن ارتياحهم!»؛ لم يكن مختالًا. إلى جانب شخص غليظ مختال مثل لويس الرابع عشر (الرجل الذي أكرهه)، كان نابليون يتمتع بقدرة على الفكاهة، ومن الواضح أن هتلر لم يكن يملك هذا؛ لقد كان هاوية الهُراء.

● على وجه التحديد، ألم يعتنق الناس أفكارًا سخيفة تمامًا، وخرافات وأخلاقًا عنيفة إلى درجة أننا نستطيع التحدث عن هُراء جماعي؟

فكر في الحشود المتحمسة في نورمبرج، لقد آمنوا بالنازية: «لقد كانوا شعبًا يدلِّل على تفوقه، في مقابل اليهود الذين كانوا حثالة، وكان يجب أن يضاف إلى هذه الحماسة، الحماسة التي شعر بها القائد الاستثنائي». هذه حالة من الادعاءات الجماعية التي لا ينبغي أن تتكرر مرة أخرى؛ حيث أصبح سباق الكلمات ذاته محظورًا الآن.

● ومن ثم.. ألا يشكِّل الصعود الحالي للشعبوية جزءًا من هذا الإطار من الادعاء الجماعي؟

لا أعتقد، إنه عكس ذلك تقريبًا، إنه مجرد رد فعلٍ على الاعتراف الذي نقدِّمه لأنفسنا بتواضعنا الفكري، نشعر بالاحتقار، ولا نريد أن نُعَد حمقى! ليس الأمر: «يجب أن أحقق شيئًا أعلى لأنه قدري»؛ بل:

«أريد أن أحقق شيئًا ضروريًّا لي أنا المظلوم والمهان»، عدم تحقيق التفوق بجنون العظمة!

● هل هذا ليجري التعامل بشكل طبيعي فقط؟

ها هي؛ كلمة «طبيعي» دقيقة للغاية، نحن نطالب بأن يُنظر إلينا بشكل طبيعي، ولم يعد من الممكن الاستهانة بنا.

● وبالبحث عن الكرامة؟

آه «الكرامة»، الكلمة نبيلة جدًّا، عن الحياة الطبيعية حقًّا.

● هل عصرنا ملائم للهُراء خصوصًا؟ أم أنه مثل أي عصر آخر؟

عدَّ الرومان أنفسهم شعبًا متفوقًا، اعتقد فيرجيل أن الإغريق كانوا المنتصرين ثقافيًّا وفكريًّا وفنيًّا؛ لكن في الأساس، وبإرادة القَدَر، كان الرومان هم الأقوى؛ قليلًا مثل النازيين. ينجم الهُراء الشعبوي اليوم من المطالبة بالمساواة والحياة الطبيعية: لا يزال الأمر أقل خطورة! لم يعد الألمان اليوم يعتقدون أنهم عرق متفوق إطلاقًا.

● فهل تراجع هذا الهُراء على مدار التاريخ؟

نعم بالتأكيد، بمعنى أن الهُراء الناتج عن الجهل، أو بالأحرى الافتقار إلى الثقافة، في تراجع. 95% من سكان العالم يستطيعون القراءة جيدًا إلى حدٍّ ما، وهذه ظاهرة ضخمة في دول العالم كلها.

● هل أدلى المؤرخون بالهُراء من قبل؟

باستمرار! لكن بالتأكيد! وفي كل مرة كان لديهم رأي سياسي. كان الرئيس الفرنسي أدولف تيير -على سبيل المثال- حريصًا جدًّا على توجيه تاريخ الكومونة في اتجاه فرساي([1]). ومن ناحية أخرى، فقد وجَّه بعض المؤرخين الألمان -وليسوا جميعهم من اليهود- نظرهم نحو النازية.

على أي حال، فإن تدريس التاريخ الوطني يطرح مشكلات، وبالنسبة إلى فيكتور هوجو، كانت باريس مركز العالم، وكانت إنجلترا وفرنسا تتنافسان باستمرارٍ على لقب أعظم شعب في العالم، وهو ما يفسر سبب كونهما أعداءً بالوراثة لعدة قرون. والآن، يجب علينا أن نعترف صراحة بأننا خامس أكبر اقتصاد في العالم فقط.

● الأمر غير العادي هو أنه رغم كل هذا الهُراء، نحن على قيد الحياة؛ إذًا أيهما أقوى؛ الذكاء البشري أم الهُراء؟

بكل تأكيد الهُراء.. فنحن، في قرننا هذا، نستطيع أن نحكم على السابقين، ولكن سيُحكَم علينا، ربما يُعَد ما أرتجله الآن في القرن الحادي والعشرين قمة الادعاء والهُراء!


أجرى الحوار جان فرانسوا مارميون


[1] الكومونة: حركة ثورية شعبية قصيرة الأجل نشأت في باريس عام 1871، سعت لتطبيق إصلاحات اجتماعية راديكالية، وقُمعت بعنف على يد الحكومة الفرنسية. فرساي: مقر الحكومة الفرنسية الرسمية أثناء أحداث الكومونة، بقيادة أدولف تيير، وقد مثّلت السلطة التي واجهت الكومونة وقمعتها.