حفلة في بيت الناشر
مقتطق من رواية «امرأتان في براغ» للكاتب: خوان خوسيه ميّاس
في تلك الليلة، كان ألبارو أبريل قد تلقى دعوة لحفلٍ في بيت ناشره، لم يرقَ له الحضور، لم يكن يروق له قط، لكنه كان يحضر دائمًا خشية أن يغدو مقصيًّا، لو سألوه مقصيًّا من ماذا، لشَعَرَ بالخجل من الإجابة.
وصل متأخرًا خشية أن يكون من الأوائل، وحين دخل كان البيت ممتلئًا، حتى أنَّ مَن فتح له الباب لم يكن المضيف، إنَّما شخصٌ طويلٌ وأحدب، في الستينات، وبكأسٍ في يده وسيجارةٍ بين شفتيه، قال له:
- إن لم ترَني، فلا تقلق، فأنا ميت، أنا شبح كاتبٍ ميت. في الحياة، كنت أنشر أعمالي مع مضيفنا، وظللت محبوسًا في حفلاته.
عزّاه ألبارو، وخطا بين الناس نحو الممر، مثل غريق، بخوفٍ من ألا يجد لوحًا خشبيًّا يتكئ عليه ليظل طافيًا. ثمَّة امرأةٌ تُمسك بكأسٍ أيضًا وسيجارةٍ أوقفته:
- ألبارو أبريل، سحرتني «الحديقة».
- ماذا؟
- روايتك، «الحديقة».
- شكرًا.
قال وواصل السباحة بحثًا عن لوح خشبي.
لم يكن يستاء من امتداح روايته، لكنها منشورة منذ خمس سنوات، وكان مستحيلًا ألا يرد ذكرها من دون الإشارة إلى ما تلاها من جفاف. بعد إطراءٍ من هذا النوع، يأتي السؤال المصيري: هل تعمل في عملٍ جديد؟ لقد تحقق من قبل أنَّهم لا يصدّقونه حين يقول نعم، ولا حين يقول لا. بشكلٍ عام، كان يُنظر إلى صمته بارتياب، بعضهم كان يخشى أن يكتب عملًا عظيمًا، وبعضهم الآخر كان مهووسًا بتأكيد أنَّ ينبوعه نَضَب. عملٌ أول ناجح لا يضمن شيئًا، بالذات لو كان رواية سيَريَة وصادقة. الحد الفاصل بين الصدق والصنعة كان يزداد اتساعًا يومًا بعد يوم.
كان الناس يتحدثون مشكّلين مجموعاتٍ من ثلاثة إلى خمسة أشخاص، ومن طريقة النظر خارج الدائرة كان يبدو أنَّهم مقتنعون بأنَّ المثير للاهتمام يقبع في مكانٍ آخر. وكلُّ برهةٍ، كان ثمَّة مَن ينصرف عن مجموعته مثل فص في برتقالة، وينضم إلى مجموعة أخرى دون أن يكفَّ عن مراقبة المحيط، وكانت الشفاه والعيون تتحركان دائمًا في اتجاهات مختلفة.
كان ثمَّة ساسة، ممثلون، ممثلات، صحفيون، بل وحتى مدرب كرة قدم، كان من السهل نسبيًّا، إذن، الهروب من الكُتّاب، وكانت رؤوسهم تطفو متناثرة بين الحشود. واصل ألبارو مسيرة الجموع دون أن يغادر الممر، وعند عبوره أمام غرفةٍ مفتوح بابها رأى خمسة أو ستة أشخاص حول تليفزيون يتابعون مباراة كرة قدم، أحد هؤلاء التفت ونظر إليه نظرة كراهية؛ ربما كيلا ينضم إلى المجموعة، لم يفعل ذلك، واصل السير حتى نهاية الممر، وكان ينتهي بمطبخٍ بلا باب، وبداخله أربعة رجالٍ يقهقهون قهقهات رنانة لنكتة أطلقها أحدهم. كان ثمَّة قطع «خامون» بجانبها سكين لمَن أراد أن يأكل، قطعَ لنفسه شريحتين ليفعل أي شيءٍ، فيما كان الأشخاص يواصلون الضحك.
في أثناء ذلك حدّق أحدهم فيه:
- أنت ألبارو أبريل، ابني معجب بروايتك جدًّا.
- شكرًا.
- سأخبره أنَّي رأيتك.
- شكرًا.
ترك ألبارو شرائح الخامون، وخرج إلى الممر، لقد سمع واحدة من أكثر العبارات التي تخيفه: ابني معجب بروايتك جدًّا، بمعنى: ابني معجب جدًّا بحماقاتك.