مقالات

فصل من رواية أصل الأنواع

7 يوليو 2025
داقتربت سيدة أربعينية بحي المنيل من محل سيد بتشان للفاكهة والخضار الطازة وطلبت منه كيلو برتقال لأن ابنها مصاب بالبرد وحي...

د



اقتربت سيدة أربعينية بحي المنيل من محل سيد بتشان للفاكهة والخضار الطازة وطلبت منه كيلو برتقال لأن ابنها مصاب بالبرد وحين هَمَّ بتشان بمد يده لتعبئة البرتقال في كيس اكتشف أن أصابع يده اليمنى اختفت وأن يده ليست إلا كفًّا مسطَّحة فحسب ارتعبت السيدة ورجعت بظهرها إلى الوراء وأطلقت يا لهوي صادقة من قلبها لكن سيد بتشان وبحركة تلقائية حركة غير المصدِّق أعاد يده إلى جيبه ظنًّا أن الأصابع سقطت في الجيب من دون أن ينتبه ثم بحركة تلقائية أخرى تفحَّص يده اليسرى لعلَّها نجت من حادثة لا يذكرها غير أن اليد الأخرى مثل الأولى صارت بلا أصابع وعلى عكس المتوقِّع لم يصرخ الرجل لم يبكِ إنما انفجر في الضحك وظل يردِّد للسيدة وهو يستعرض يدَيه أمامها صوابعي كلتها القطة يا مدام ويضع يده على وجهه ويقول بمزاح أودي وشي فين منكم والسيدة أشفقت عليه فتركت ثمن كيلو برتقال على لوح الفاكهة الخشبي وغادرت مع بداية تجمُّع الناس ليشاهدوا المعجزة أو الكارثة كأنه حاوٍ سيُظهِر أصابعه مرةً أخرى وهي تردد بأسًى حتى الصوابع بتتسرق دلوقتي العبارة أغضبت سيد بتشان وخاف أن تتناقلها الألسنة فيكون عِبرة في السوق وتفتح مجالًا للهمز واللمز فأطلق صوتًا من أنفه موجهًا إلى المارة والجيران والزبائن الملمومين حوله الناظرين بفضولٍ ماذا حدث لابن حيِّهم وما قصة الأصابع هذه وبتشان يؤكد لهم أنه لم يُسرَق أن لا أحد يجرؤ على سرقة أصابعه لكنه لا يعرف أين اختفت والمقرَّبون منه في المحلات المجاورة يتفحَّصون يده فلا أثر لبترٍ ولا أثر لدم وبتشان يقسم إنه لا يعرف متى اختفت وإنه لم يلحظ ذلك إلا أمام سيدة البرتقال هذه وحين أتى بسيرتها انشغل في قرارة نفسه بعبارتها وظن أن أصابعه سُرِقت منه في غفلة ربما في أثناء نومه ربما في أثناء تنزيل البضاعة ورجع وتساءل كيف يسرقون جزءًا من جسده من دون أن يدري هل أصابه العته إلى هذه الدرجة هل كان الحشيش مضروبًا بكيميا إلى هذه الدرجة أم أن ولاد الحرام وكان واحدًا منهم باتوا يتمتعون بهذه القدرة الفائقة وفيما يحدِّث نفسه كانت الأصوات حوله تتعالى والفضوليُّون ينظرون في أيديهم خوفًا من اختفاء أصابعهم ذاتها ومنهم من يشكِّك في وجود أصابعه من أصله ربما جاء من بلده من دون أصابع وآخرون يؤكدون أنه جاء بأصابعه والله العظيم ومنهم من يسأله إن كانت تؤلمه من قبل فربما سقطت من أثر الروماتيزم أو التهاب العظام وأكثرهم عقلًا اقترح عليه زيارة دكتور عظام والمنطقة مليئة يا أخي بدكاترة مشهورين منهم دكتور إدوار مثلًا لكن هذا الرأي وجد من يعارضه بحُجة أن ما فائدة الدكتور إن كانت الأصابع غير موجودة فلو كانت سقطت وعثرنا عليها لكانت زيارة الدكتور مفهومة لإعادة تركيبها أو لصقها بلزق أمير لكن ماذا نقول للدكتور الآن هنا تدخل رجل يبدو أنه محامٍ ويبدو أنه غريب عن الحي وأشار إلى أن اختفاء الجثة يعني انهيار القضية فلا قضية من دون جثة يا سادة وفي أثناء هذا الجدل أحضر بائع آخر أكثر عملية وإنسانية كوبَ شاي دافئ ووضعه أمام سيد بتشان فلا بد أن الرجل يحتاج إلى شيء دافئ فلن يكون فَقْد أصابع وقلة مزاج والحق أن بتشان كان نموذجًا في التكيُّف السريع إذ حمل الكوب بين كفَّيه وبدأ يرشف رشفة رشفة شاردًا كأنه يسترجع ذكرى ما أو يتطلَّع إلى مستقبلٍ ما ثم قال وهو في منتصف الكوب عشر صوابع مرة واحدة ثم أطلق ضحكة هستيرية وقال وبيقولوا المستقبل للصوابع وفيما يشاركه الجيران التعجب ويتبادلون النظرة في تعاطفٍ سأل بكل براءة هتكون راحت فين دي