للسعادة وجهان: الحالة السلبية، والحالة الإيجابية.
في الحالة السلبية (الخاملة) تمنحك السعادة شعورًا بالرغبة في السباحة بأريحية مع تيار نهر الحياة، الذي تهدهدك أمواجه، وتحملك مياهه. وأما في الحالة الإيجابية (الفعالة) فتمنحك السعادة شعورًا بالطاقة النابضة بالحياة، وبالإبداع الذاتي المتوثب الخلاق، وتهبك شعورًا بالمعركة المتأججة للحياة الدنيا، وبهجة القتال ضد خصم هائل.
ونظرًا إلى استحكام الفرق الجوهري بين الشعور السلبي بالسعادة، حينما يستلقي الإنسان على أمواج الحياة لتهدهده، والشعور الإيجابي، حينما يصارع الحياة وتصارعه، يبرز السؤال الحاسم: أي هاتين الحالتين المزاجيتين ينبغي لي فردًا أن أحشد تركيزي عليها، في ضوء أنَّ ما يُطلَق عليه "إرادتنا في الحياة" يمثل عملية ذهنية جوهرية داخل كل كائن حي؟
أقصد لو كنا نمتلك بالفعل القدرة على التحكم في أفكارنا، فهل من الحكمة أن ننشد الحالة الإيجابية النشطة من السعادة أم ننشد الحالة السلبية الخاملة؟ وردًّا على هذا السؤال، أقول بصريح العبارة: إنَّ المسار الرشيد هو أن ننشد المسارين كليهما، وألا نفصل بين الحالتين؛ لأنَّ كل حالة تستلزم قدرًا كبيرًا من الجهد الحثيث.
فالجانب المتوتر، المشدود، المشحون بالابتكار ليس غائبًا تمامًا، على الأقل أول الأمر، في حالة السعادة الخاملة السلبية. ومع أنَّ كثيرًا من الناس يرون أنَّ حالة الخمول والاسترخاء وانتباذ البشر تهبط على رؤوسهم من باب المصادفة المحضة بقصد الاستمتاع لا أكثر، لكنَّ ذلك لا يمنع من فرصة مواصلة هذه الحالة عبر ما نمتلكه من توتر ويقظة وشعور بالوعي الذاتي.
النقطة المهمة أنَّ السعادة الخاملة المسترخية، التي تغمرك عندما تطفو على صفحة محيط الكون الخارجي، وتسمح لتياراته السحرية بالنفاذ عبر خلايا جسمك، هي لون من ألوان السعادة التي يمكن بلوغها والاستمتاع بها عمدًا، عبر حيلة "لملِم شتات نفسك".
سيكون من السخف إنكار أنَّ هذه الحالات السحرية تنتاب فئات البشر الأشد لامبالاة، والأكثر تجردًا من الوعي، والأقوى ميلًا إلى العيش على سجاياهم الفطرية، بينما تدركها الفئات المتفلسفة بمقدار ما تفتح لهذه الأحوال ذراعيها، وتستقبلها بتركيز ورحابة صدر.
عند وصولنا إلى مرحلة عمرية نعجز فيها عن تحمُّل الوعي المفرط بحياتنا الذهنية والحسية، نرى أنَّه من الحماقة ألا نمنح أنفسنا الحق، أو على الأقل نُهدي أنفسنا الفرصة كي نناضل لبلوغ البساطة والتلقائية.